الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يُنْشَدُ بالكَسْرِ، وقال آخرُ في المفتُوحِ: البسيط: فالسِّلْمُ والسَّلْمُ في هذين البيتَيْنِ بمعنى الإِسْلاَم، إلاَّ أنَّ الفَتْحَ فيما هو بمعنى الإِسلام قليل، وقرأ الأَعْمشُ بفتح السِّين واللامِ {السَّلَم}.وقيل: بل هما مختلفا المعنى: فبالكَسْرِ الإِسلامُ، وبالفتحِ الصلحُ.قال أبُو عُبَيدة: وفيه ثلاثُ لُغَاتٍ: السَّلْم والسِّلْم والسُّلْم بالفَتْح والكَسْر والضمِّ.{كافةً} مَنْصُوبٌ على الحالِ، وفي صَاحِبهَا ثلاثةُ أقوالٍ.أظهرها: أنه الفاعلُ في {ادْخُلُوا}، والمعنَى: ادخُلُوا السِّلْم جميعًا، وهذه حالٌ تُؤَكِّدُ معنى العمومِ، فإنَّ قولَكَ: قام القومُ كافةً بمنزلةِ: قَامُوا كلُّهم.والثاني: أنه {السِّلْمُ} قالهُ الزَّمخشريُّ، وأَبُوا البقاءِ، قال الزمخشريُّ: ويَجُوزُ أن تكونَ {كافةً} حالًا من {السِّلْمِ} لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحَرْبُ؛ قال الشاعر: البسيط: على أنَّ المؤمنينَ أُمِرُوا أَنْ يدْخُلُوا في الطاعاتِ كُلِّها، ولا يَدْخُلوا في طَاعةٍ دونَ طاعةٍ، قال أَبُوا حيَّان تَعْلِيلُه كونُ {كافةً} حالًا مِنَ {السِّلْم} بقولِه: لأَنَّها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحرب ليس بشيءٍ؛ لأنَّ التاءَ في {كَافَّة} ليست للتأنيثِ، وإن كان أَصْلُها أَنْ تَدُلَّ عليه، بل صار هذا نقلًا مَحْضًا إِلى مَعْنَى جميعٍ وكُلٍّ، كما صار قاطبةً وعامَّة، إذا كانَ حالًا نَقْلًا مَحْضًا.فإذا قلت: قامَ الناسُ كَافةً، وقَاطِبةً لم يَدُلَّ شيءٌ من ذلك على التأْنِيثِ، كما لا يَدُلُّ عليه كُلّ وجميع.والثالث: أَنْ يكونَ صاحبُ الحالِ هما جَمِيعًا: أضعْنِي فاعلَ {ادْخُلُوا} و{السِّلْم} فتكونُ حالًا مِنْ شَيْئَين.وهذا ما أجازه ابنُ عطيةَ فإنه قال: وتَسْتَغْرقُ {كافة} حنيئذٍ المؤمِنين، وجميعَ أجزاءِ الشَّرْع، فتكونُ الحالُ مِنْ شَيْئَيْن وذلك جائِزٌ نحو قولِهِ: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 37].ثم قال بعد كلامٍ: وكافةً معناه جميعًا، فالمراد بالكافّةِ الجماعةُ التي تَكُفُّ مخالِفيها.وقوله: نحو قوله: {فَأَتَّتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُه} يعني أنَّ {تَحْمِلُهُ} حالٌ مِنْ فاعِل أَتَتْ ومِنَ الهاء في {بِهِ} قال أبو حيَّان: هذا المِثَالُ ليس مُطَابِقًا لِلْحَالِ من شَيئينِ لأنَّ لفظَ {تَحْمِلُهُ} لا يحتمل شيئَيْن، ولا تقع الحالُ مِنْ شيئينِ إِلاَّ إِذَا كان اللفظُ يحتملهما، واعتبارُ ذلك بجَعْلِ ذَوِي الحالِ مُبْتدأَيْنِ، وجعل تلك الحالَ خبرًا عنهما، فمتى صَحَّ ذلك صَحَّتِ الحالُ؛ نحو قوله الطويل: فصغيرَين حالٌ من فاعل عُلِّقْتُ ومِنْ سَلْمَى لأنك لو قُلْت: أنا وسَلْمى صَغِيرانِ لَصَحَّ ومثلُه قولُ امرِئ القَيس: الطويل: فنْمشِي حالُ من فاعل خَرَجْتُ، ومِنْ هَا في بِهَا؛ لأنَّك لو قلتَ: أنا وهي نمشي لصَحَّ، ولذلك أَعْرَب المُعْرِبُونَ نَمْشِي حَالًا مِنْهُما، كما تَقَدَّم، وتَجُرُّ حالًا مِنْ هَا في بِهَا، فقط؛ لأنه لا يصلُحُ أن تجعل تَجُرُّ خبرًا عنهما، لو قلتَ: أنا وهي تَجرُّ لم يَصِحَّ؛ فكذلك يتقدَّر بمفردٍ وهو جارَّة وأنت لو أَخْبَرْتَ به عن اثْنين، لم يَصِحَّ؛ فكذلك تَحْمِلُهُ لا يَصْلُح أَنْ يكون خَبَرًا عن اثنين، فلا يَصِحُّ أَنْ يكونَ حالًا منهما، وأمَّا {كَافّة} فإنها بمعنى جَمِيع، وجمِيع يَصِحُّ فيها ذلك، لا يُقالُ: {كَافَّة} لا يَصحُّ وقوعُها خَبَرًا، لو قلتَ: الزَّيْدُونَ وَالْعَمْرُونَ كَافَّةً لم يجزْ، فلذلك لا تقعُ حالًا؛ لا مِنْ مانع معنوي، بدليلِ أنَّ مرادِفَها وهو جَمِيع وكُلّ يُخْبَرُ به، فالعارِضُ المانِعُ ل {كافَّة} من التصرُّفِ لا يَضُرُّ، وقولُه: الجماعةُ الَّتِي تَكُفُّ مخالِيفها يعني: أَنَّها في الأصْلِ كذلك، ثم صار اسْتِعْمالُها بمعنى جَمِيع وكُلّ.واعْلَمْ أنَّ أَصْلَ {كافة} اسمُ فاعلٍ مِنْ كَفَّ يَكُفُّ، أي: مَنَع، ومنه كَفُّ الإِنسان؛ لأنها تَمْنَعُ ما يقتضيه، وكِفّة المِيزَانِ لجمعها الموزون، ويقالُ: كَفَفْتُ فُلاَنًا عن السُّوء، أي: منعتُه، ورجل مَكْفُوفٌ، أي: كُفَّ بَصَرُهُ مِنْ أَنْيبصر، وَالكُفَّةُ- بالضَّمِّ- لكل مستطيلٍ، وبالكَسْرِ، لكلِّ مُسْتدِير.وقيل: {كافة} مصدرٌ كالعاقبة والعافية.وكافة وقاطبة مِمَّا لَزم نصبُها على الحالِ، فإخراجُهما عن ذلك لَحْنٌ.قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} الجمهور على {زَلَلْتُمْ} بفتح العين، وأبو السَّمَّال قرأها بالكسر، فهما لغتان؛ كضلَلت، وضلِلت.وما في {مِنْ بعدِما} مصدريَّةٌ، {مِنْ} بالبتداء الغاية، وهي متعلِّقةٌ ب {زَلَلْتُمْ}.معنى {زَلَلْتُمْ} أي: ضللتم، وقيل: ملتم، يقال: زلَّت قدمه تزلُّ زلًا وزللًا، إذا دحضت، وأصل الزلل في القدم، واستعماله في الاعتقادات. اهـ.
وقال في المفصل: وعن سيبويه أن هل بمعنى قد إلاّ أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لا تقع إلاّ في الاستفهام اه. يعني أن همزة الاستفهام التزم حذفها للاستغناء عنها بملازمة هل للوقوع في الاستفهام، إذ لم يقل أحد أن هل ترد بمعنى قد مجردة عن الاستفهام فإن مواردها في كلام العرب وبالقرآن يبطل ذلك ونسب ذلك إلى الكسائي والفراء والمبرد في قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان: 1] ولعلهم أرادوا تفسير المعنى لا تفسير الإعراب ولا نعرف في كلام العرب اقتران هل بحرف الاستفهام إلاّ في هذا البيت ولا ينهض احتجاجهم به لإمكان تخريجه على أنه جمع بين حرفي استفهام على وجه التأكيد كما يؤكد الحرف في بعض الكلام كقول مسلم بن معبد الوالبيِّ: فجمع بين لامي جر، وأيًّا ما كان فإن هل تمحضت لإفادة الاستفهام في جميع مواقعها، وسيأتي هذا في تفسير قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} في سورة الإنسان.والاستفهام إنكاري لا محالة بدليل الاستثناء، فالكلام خبر في صورة الاستفهام. والنظر: الانتظار والترقب يقال نظره بمعنى ترقبه، لأن الذي يترقب أحدًا يوجه نظره إلى صوبه ليرى شبحه عندما يبدو، وليس المراد هنا نفي النظر البصري أي لا ينظرون بأبصارهم في الآخرة إلاّ إتيان أمر الله والملائكة، لأن الواقع أن الأبصار تنظر غير ذلك، إلاّ أن يراد أن رؤيتهم غير ذلك كالعدم لشدة هول إتيان أمر الله، فيكون قصرًا ادعائيًا، أو تسلب أبصارهم من النظر لغير ذلك.وهذا المركب ليس مستعملًا فيما وضع له من الإنكار بل مستعملًا إما في التهديد والوعيد وهو الظاهر الجاري على غالب الوجوه المتقدمة في الضمير، وإما في الوعد إن كان الضمير لمن يشري نفسه، وإما في القدر المشترك وهو العدة بظهور الجزاء إن كان الضمير راجعًا للفريقين، وإما في التهكم إن كان المقصود من الضمير المنافقين اليهود أو المشركين، فأما اليهود فإنهم كانوا يقولون لموسى {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55]. ويجوز على هذا أن يكون خبرًا عن اليهود: أي إنهم لا يؤمنون ويدخلون في السلم حتى يروا الله تعالى في ظلل من الغمام على نحو قوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} [البقرة: 145].وأما المشركون فإنهم قد حكى الله عنهم: {وقالوا نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا إلى قوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراء: 90، 92]. اهـ.
|